الترددات..جيل جديد من “حروب المستقبل”

نشر بواسطة أحمد ماء العينين 1


الحاجة للترددات الهيرتزية تتطور بسرعة رهيبة، إذ لم تعد متاحة على نحو سهل، خاصة وأن الطرق التقليدية لنطاقات الترددات بدأت تظهر محدوديتها في مواجهة النمو الهائل لحركة البيانات (البيانات الضخمة).

فالحاجة للترددات، خاصة تلك المرتبطة بالحاجيات التي أفرزتها عديد الأوراش على رأسها اتساع نطاق ترددات شبكات الهاتف النقال من الأجيال الجديدة (الجيلين الرابع والخامس)، أصبحت ملحة أكثر من أي وقت مضى.

تطور الترددات .. المغرب نموذج :

لم يكن يتوقع العالم الألماني هيرتز، الذي اكتشف أول تردد في العالم عام 1896، أن تتطور الترددات بهذه السرعة، وأن تصبح هي الركيزة الأساسية لمجتمع المعلومات.

فالبداية كانت بالترددات المنخفضة جدا VLF (very low frequency)، التي تبدأ من 3 هيرتز إلى 30 كيلوهيرتز، والتي تغطي مساحات صغيرة، واقتصر استخدامها عند الأميركيين والسويديين في مراحل كثيرة على التواصل البحري.

ثم تطورت الأبحاث وتم التوصل إلى الترددات المنخفضة التي استعان بها المغرب بداية من العام 1928 في البث الإذاعي، ثم الملاحة البحرية، حيث يصل طول الموجة الواحدة إلى 600 متر.

وانتقل العالم إلى الترددات العالية HF (High frequency)، هذه الأخيرة ما تزال مستغلة من طرف قطاع الطيران والجيش والملاحة البحرية، على الرغم من التوصل إلى التردد العالي جدا VHF، والذي ينطلق من 30 ميغاهيرتز إلى 300 ميغاهيرتز، وهي الترددات التي اعتمدها المغرب في النقل التلفزي الأرضي، قبل تحريرها وتركيز استخداماتها على الجيش والشرطة وباقي أجهزة الدولة.

وسارع المغرب إلى الانتقال للتردد فوق العالي UHF، الذي ينطلق من 300 ميغاهيرتز إلى 3000 ميغاهيرتز، حيث استغل الطيف الترددي مابين 606 و862 ميغاهيرتز في البث التلفزي الأرضي.

واصطدم المغرب فيما بعد بندرة الترددات الراديوية الخاصة بالاتصالات، حيث تسببت في تأخر إطلاق الجيل الرابع لأزيد من عامين.

ويبقى الرهان على توفير ترددات فوق-فوق عاليةSHF، التي تعتمد عليها شبكات الجيل الخامس، والتي يراهن المغرب على إطلاقها بداية العام 2022.

تطور الترددات
أنفوجرافيك حول تطور الترددات من إعداد يوسف سعود

 الترددات .. ثروة مستقبلية :

ذهبت الكثير من التصريحات، إلى اعتبار أن العالم مقبل على “حرب” ترددات، وذلك باعتبارها “ثروة” مستقبلية، في عالم يسير نحو البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء وخدمات الحوسبة.

وفي التفاصيل، أكد المدير العام للوكالة الوطنية لتقنين المواصلات (مؤسسة رسمية لتنظيم قطاع الاتصالات بالمغرب، جهة حكومية) على ضرورة التفكير بشكل عميق في كيفية وضع مخططات مستقبلية متعلقة بالترددات، وذلك بكثير من الابتكار والتشاور.

وعلى نفس المنوال سارت ماجدة لحلو قصي مديرة الاستراتيجية والتسويق والعلاقات العامة بمنطقة المغرب العربي في المجموعة السويدية إريكسون، حيث أكدت في حديث خاص، أن الترددات تمثل ثروة مستقبلية، وأن الصراع عليها سيبلغ أشده بعد سنوات.

وأضافت المهندسة لحلو قصي، أن ندرة الترددات سترفع من حدة المنافسة بين شركات الاتصالات والمؤسسات الحكومية، خاصة وأن هناك موجات لا يمكن لشركات الاتصالات استغلالكها، وهي مخصصة للاستخدامات العسكرية أو للاستخدامات الحكومية.

 المغرب وترشيد تدبير الترددات :

شرعت الحكومة المغربية في الانتقال إلى البث الرقمي الأرضي TNT، عبر دعوتها لجميع المغاربة باعتماد هذا النوع من البث عوض البث التناظري أو التماثلي، الذي يشتغل بالترددات ما بين 606 و862 ميغاهيرتز، في الموجة الخامسة، وذلك في محاولة لتحرير هذا الطيف لاستغلاله في شبكات الجوال، وهو المعطى الذي أكده وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى الخلفي، إذ أكد أن تحرير هذه الترددات سيتم استثماره في شبكات الجيل الرابع والجيل الخامس.

وبالعودة إلى الترددات التي منحتها الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات لشركات الاتصالات من أجل إطلاق خدمات الجيل الرابع، نجد التردد 800 و1800 و2600 ميغاهيرتز.

ويستخدم التردد 2600 في المدن والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية، ويحتاج إلى محطات كثيرة، حيث “ينزعج” العديد من السكان من بعض الأعمدة التي توضع ببعض الأحياء السكنية التي يقطنون بها. وكذلك الشأن بالنسبة للتردد 1800 ميغاهيرتز، لكن بدرجة أقل.

أما التردد 800 فيستخدم في المناطق الواسعة وله قدرة كبيرة على ضمان تغطية لمناطق شاسعة كالطرق السيارة والقرى والطرق الوطنية، ويمكن من الربط عبر النطاق العريض BROADBAND.

وقد مكنت التراخيص التي منحتها الحكومة المغربية لشركات الاتصالات، من ضخ حوالي ملياري درهم (200 مليون دولار أميركي) في خزينة الدولة.

واضطرت ميديتل (ثاني فاعل اتصالاتي في المغرب، تستحوذ فيه أورانج الفرنسية على حصة 49 في المائة) لإطلاق خدمة الجيل الرابع في مدينة الدار البيضاء، وتلتها إنوي (ثالث فاعل اتصالات بالمغرب، تستحوذ فيه زين الكويتية على حصة 31 في المائة) بإطلاقه في أكثر من مدينة، والاشتغال بالتردد 2600 و1800، في حين فضلت اتصالات المغرب (أول فاعل في المجال بالمغرب، تستحوذ فيه اتصالات الإماراتية على حصة 53 في المائة بعد شرائها لحصة فيفاندي الفرنسية) انتظار إطلاق عروضها حتى تتم عملية التحول للتلفزيون الرقمي نهائيا، وذلك من أجل تحرير التردد 800 من البث التماثلي أو التناظري وعدم التشويش على شبكات الاتصال النقال من الجيل الرابع LTE  أو شبكات A- LTE.

وبعد الانتقال رسميا إلى البث الرقمي، بداية من منتصف يونيو من العام 2015، تمكن شركات الاتصالات من تجنب التشويش على خدماتها الخاصة بالجيل الرابع، واستغلاله مستقبلا في تطوير تقنية الاتصالات النقالة.

وكان المغرب قد أجل أكثر من مرة عملية إطلاق خدمات الجيل الرابع، حيث أعلنت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات ANRT في مناسبات سابقة عن شروع المغرب في اعتماد تقنية الجيل الرابع، بداية 2013 ثم بداية 2014، لكن تم تأجيلها لأسباب تقنية مرتبطة أساسا بالترددات.

خطوات استباقية لتفادي التشويش على الشبكات :

وقام المغرب بتحيين المخطط الوطني للترددات سنة 2013، وذلك نتيجة مقاربة استباقية أخذت بعين الاعتبار التطور التكنولوجي والتنمية السوسيو اقتصادية بالبلاد والحاجيات المتزايدة للترددات.

وفي تطور لاحق، وضعت المديرية العامة للاتصال السمعي البصري (مؤسسة رسمية لتدبير ترددات الإذاعة والتلفزة) أربعة فرق متنقلة من قسم البنيات التحتية التقنية، مجهزة بمعدات التحكم، تضم أربعة مهندسين، بالإضافة إلى فريق مكلف بالمتابعة والتنسيق، وذلك بغية تجنب التشويش على بعض المحطات التي تتواجد بمناطق لم تنتقل بعد للبث الرقمي، وذلك لعدم جاهزيتها بالشكل الكافي، ويتعلق الأمر ببعض القرى جنوب المغرب.

وقد شرعت مجموعة من المؤسسات في المغرب (المؤسسة العسكرية والدرك الملكي) في تواصلها الداخلي في الاعتماد على الربط الفضائي عوض الترددات، وهو ما سيحرر طيفا مهما من منها.

وينطلق تردد (التردد فوق العالي) UHF من 300 ميغاهيرتز إلى 3000 ميغاهيرنز، وهو ما يوفر ترددات كبيرة يمكن استثمارها في عديد المجالات، خاصة في تطوير الشبكات التي تستغل فراغات ترددات التلفزيون للربط بالإنترنت.

وتعمل تقنية  TV WHITE SPACEشبكة الفراغات البيضاء، التي تعتبر أقوى من شبكات الوافاي، عبر استغلال الفراغات البيضاء في ترددات UHF، واستثمارها في نقل البيانات.

ويصل مدى التغطية نظريا إلى 160 كيلومتر، أما عمليا فيمكن لها تغطية مدينة بأكملها، دون أن تتأثر بالحواجز كالبنيات والأشجار، بل تخترقها بكل سهولة وتحافظ على طبيعة البيانات.

وقد شرعت جامعة القاضي عياض بمراكش في الاشتغال بهذه التقنية، عبر شراكة مع المجموعة الأميركية مايكروسوفت، حيث ستمكن من ربط 65 ألف طالب بالإنترنت ذي النطاق العريض.

كما اعتمد عليها المغرب في ربط مؤسسات تعليمية في المستوى الابتدائي، حيث مكن آلاف المدارس من الإنترنت الفضائي عبر ربطها بتقنية شبكة الفراغات البيضاء، وهي تجربة سابقة في القارة الإفريقية.

وتعتبر الترددات من أهم الثروات التي سيراهن عليها العالم بعد سنوات، حيث تسارع شركات الاتصالات إلى الاستفادة منها واستغلال الكم الكافي لضمان ربط جيد بالإنترنت، من جهة، والحكومات من أجل ضمان تواصل آمن بين مؤسساتها الحيوية، من جهة أخرى.

معلومات عن الكاتب :

يوسف سعود

شارك بمقالك على موقع عالم التكنولوجيا :

موقع عالم التكنولوجيا يفتح المجال لجميع المدونين و المتخصصين في التقنيات و التكنولوجيات الحديثة للمشاركة في قسم “مقالات الضيوف” ،فإن كنت ترغب في نشر مقال من إنجازك يعكس تجربتك في مجال البرمجة ، التصميم ،أو التصوير، وغيرها من المجالات الأخرى ،فلا تترد في إرسال مقالك على البريد الإلكتروني التالي : [email protected] مع إدراج إسمك باللغة العربية و صورة خاصة بك.

التعليقات

التعليقات

التعليقات (1)

  1. بارك الله فيك على هذه المعلومات القيمة

    كل عام وأنتم بخير

تعليقات

بريدك الألكتروني لن يثم نشره

بأمكانك استعمال الرموز التالية الخاصة بـHTML